مؤتمر دولي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

مريم رجوي: النساء رائدات الحرية
أيها الحضور الكرام!
أخواتي العزيزات في المدن والقرى في عموم إيران
أخواتي العزيزات في أشرف ثلاثة
يوم المرأة العالمي، يوم سعيد وهو اليوم الذي يجسد الانتفاضة والثورة من أجل عالم جديد خالٍ من القمع والظلم والاستغلال.
نُعرب عن احترامنا للنساء اللواتي أسسن هذا اليوم، ونحيي البطلات العديدة اللواتي يضيء تاريخ مقاومة المرأة الإيرانية الطويل بأسمائهن اللامعة، لا سيما أولئك اللواتي يواجهن اليوم، خطر الاعتقال والتعذيب والإعدام في وحدات الانتفاضة، وهن مستعدات للتضحية.
هذا هو استمرار لنفس النضال الذي يجري في إيران منذ ما يقرب من ۴۴ عامًا، والذي وصفه خامنئي مرارًا بأنه حرب داخلية. فمن جهة، هناك جماهير الشعب الإيراني، ومن الجهة الأخرى، فاشية دينية تسعى لضمان بقائها من خلال امتلاك القنبلة النووية.
ريادة النساء
لكن الزمن قد تغيّر. لقد تحطمت آلة الحرب التي يقودها خامنئي في المنطقة، وحان الآن دور آلة السلطة والحكم داخل إيران. الحرية تتحدى الاستبداد، ولا شك أن الديكتاتورية زائلة، تمامًا كما أسقط الشعب الإيراني الشاه وأطاح به وبكامل عائلته وحاشيته.
كان الشاه يصف نفسه بـ”الإله”، يحكم بسلطة اعتُبِرت رسميًا “هبةً إلهية”، لكنها هبة حُرمت منها النساء، واقتصرت على وراثة الذكور جيلاً بعد جيل. وكان يُعتبر “ظل الله” على الأرض.
واليوم، الولي الفقيه، أي خامنئي، يُقدَّم نفسه رسميًا في دستوره كـ”ولي أمر المسلمين جميعًا” وحاكم مطلق، يُنصَّب كـ”ممثل الله على الأرض”.
لكن الانتفاضة قادمة لا محالة، والحلم الثوري الذي سرقه خميني في عام 1979 (الثورة ضد الشاه) سيصل حتمًا إلى النصر. الفرق هذه المرة أنه مُنظم ومُخطط له.
لم يعد الأمر يقتصر على معرفة ما لا يُراد، بل كما قال مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية منذ اليوم الأول قبل 43 عامًا: هذه المرة يعرف الشعب الإيراني ما يريد بوضوح؛ الحرية، الديمقراطية، والجمهورية الديمقراطية، كما هو مُلخّص في البرنامج ذي العشر نقاط للمقاومة الإيرانية.
وهناك فارق بارز آخر هذه المرة: ريادة النساء.
هؤلاء الطليعيات في مسيرة الحرية، يجسدن في صورة “طاهره طلوع”، المعلّقة من قدميها على صخور الجبال، بخنجر مغروز في قلبها، مرتدية زي جيش التحرير الوطني.
مقارعة النساء هي جوهر العلاقات الاجتماعية
أصدقائي وأخواتي العزيزات!
يُعد يوم المرأة العالمي كل عام فرصة لإعادة التفكير في الطريق الذي سلكناه حتى الآن، وتجديد الالتزامات تجاه المستقبل الذي ينبغي أن يضمن تحرير البشرية وبناء عالم أفضل.
والسؤال هنا: ألم تُحقق إنجازات العالم، لا سيما منذ بداية القرن الماضي، خطوات نحو تقليل الظلم والقمع والتمييز ضد النساء؟
بلا شك، هذه التقدّمات تمثل تغييرات إيجابية.
فمنذ آلاف السنين، كلما تطورت أدوات الإنسان وازدادت معارفه، تقلّصت معاناة البشر نسبيًا.
ومع ذلك، إذا ألقينا اليوم نظرة على وضع النساء، سنجد أن طبيعة العلاقات الاجتماعية ما زالت تحمل طابعًا ذكوريًا يكرّس التمييز ضد النساء.
لاسيما في إيران، تُقمع النساء بوحشية تحت قبضة الفاشية الدينية، حيث يُسلب أبسط حقوقهن ويُحاصَرن في أسر نظام قائم على الاستبداد والقمع.
من خلال النجاحات التي تحققت والإخفاقات المؤلمة التي واجهناها، يمكننا استخلاص هذه الحقيقة الجوهرية، لا سيما في وطننا الأسير:
إن مشاركة النساء ودورهن القيادي والحاسم في النضال ضد الاستبداد الديني هو شرط أساسي لإسقاط هذا النظام.
وبالمثل، في إيران الحرة المقبلة، هذا الدور وهذه المسؤولية ضروريان لتحقيق ديمقراطية حقيقية وتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.
40 عامًا من تجربة نساء المقاومة الإيرانية
أخواتي العزيزات،
دعونا نسلط الضوء على تجربة النساء في صفوف المقاومة الإيرانية:
قبل 40 عامًا، شهدت منظمة مجاهدي خلق تحولًا تحرريًا داخليًا تمحور حول قضايا المرأة والقيادة، في مواجهة أيديولوجية خميني الذكورية. كان هذا تحولًا ثقافيًا حرّر طاقات هائلة من النساء والرجال على حد سواء، ووسع نطاق المعركة لإسقاط الفاشية الدينية.
قبل 37 عامًا، تأسست الكتائب والألوية النسائية المستقلة من المجاهدات في صفوف جيش التحرير الوطني الإيراني.
منذ 35 عامًا، عملت تسع نساء أمينات عامات في منظمة مجاهدي خلق.
قبل 33 عامًا، تم الإعلان عن الهيمنة القيادية للمرأة الكفوءة داخل المنظمة، كتدبير تمييز إيجابي يهدف إلى تسريع تجاوز التخلف التاريخي وتعويض التمييز السلبي المتراكم.
قبل 10 سنوات، تم تشكيل المجلس المركزي لمجاهدي خلق، الذي يضم ألف امرأة طليعية.
وكما أوضحت “سروي تشيت ساز”، المسؤولة عن لجنة المرأة، في الجلسات المتخصصة بالأمس:
انهن وبعد عقود من الصمود، صنعن للمرأة الإيرانية نموذجًا تاريخيًا من خلال خوض معارك جيش التحرير الوطني الإيراني وتحمل التعذيب والسجن، والتعرض للقصف والهجمات الصاروخية في أشرف وليبرتي، والتنقلات المتكررة، والتضحية بالأهل والأحبّة، خالدًا للمقاومة والتضحية.
وقالت: إن النساء يشكلن أكثر من نصف أعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو الائتلاف السياسي الوحيد في تاريخ إيران المعاصر الذي اعتمد، منذ أربعة عقود، خطة شاملة حول الحريات وحقوق النساء بالإجماع.
نحن اليوم لا نتحدث عن افتراض أو نظرية مجردة، بل عن تجربة طويلة الأمد لنساء إيران الطليعيات في ميدان العمل الثوري والتحرري، تجربة تجسدت في النضال والتضحية على أرض الواقع.
من الضروري أن أؤكد أن ما يمهد الطريق هو فكر مسعود رجوي التوحيدي والمناهض للاستغلال في قيادة هذا الحراك.
ضرورة رفض الفردية السلبية
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
أطرح الآن سؤالًا جوهريًا، وربما يبدو غير متوقع:
هل يكفي الصمود في وجه الاستبداد الديني، والتقدم في هذا النضال، والتضحية بالروح والمال، وتحمل السجن والتعذيب؟
هل يكفي التنازل عن الأهل والأسرة؟
الجواب هو: هذه التضحيات ضرورية بالفعل، لكنها ليست كافية وحدها.
نظرًا لطول هذا النضال، وبسبب مواجهة عدو معادٍ للبشرية، والعقبات التي يفرضها الاستغلال والقمع وكراهية النساء، فإن خوض هذا الميدان يتطلب مواصلة نضال ثقافي عميق، أو كما يسميه المجاهدون، نضال أيديولوجي.
لماذا؟
لأننا، على مدار أربعة عقود وثلاث سنوات من أطول وأعنف وأعقد معركة في تاريخ إيران الحديث، تعلمنا عن قرب أن الاستمرار في هذا النضال والارتقاء به ضد الفاشية الدينية، في عالم غارق في المساومات، ويتغاضى عن حملات الشيطنة التي تمتد لآلاف الصفحات ضد مقاومة شعبٍ أعزل ومظلوم، يتطلب عنصرين أساسيين:
أحد العناصر الأساسية في هذا النضال هو رفض الفكر القائم على التمييز الجنسي.
هذا يعني التمرد على الثقافة التي تسعى إلى ترسيخ ضعف المرأة وعجزها، والنظرة إليها كسلعة أو كيان تابع، وهي النظرة التي طالما تحدثتُ عنها في السنوات الماضية.
اليوم، أود أن أتناول جانبًا آخر من هذا النضال، وهو التخلص من الأنانية، والنرجسية، وحب الذات. وهو ما يسميه المجاهدون بـ “الفردية السلبية”، في مقابل الفردية الإيجابية والمميزة والراقية للإنسان.
هذه الفردية السلبية تتجلى في التكبر، والحسد، حيث يعيق العمل الجماعي والتنظيمي، ويُعد ديناميكيةً تعزز التخلف الاجتماعي والتاريخي.
أريد أن أوضح كيف تظهر الفردية السلبية في النضال من أجل الحرية والتحرر؟ ولماذا يعد رفضها ضروريًا؟
وأخيرًا، كيف يصبح العمل الجماعي المنظم وتشكيل مجموعات متحدة ممكنًا في النضال ضدها؟
الحقيقة هي أنه في مواجهة كل نشاط منظم، وكل علاقة تضامنية وجماعية، يظهر اتجاه تلقائي ولكنه رجعي يقاوم، وهو ما يُعرف بالفردية السلبية.
هذا العائق الداخلي أو هذا الاتجاه يتجلى في الأنانية وأشكال مختلفة من إنكار الجماعة، وهو ما يحدّ الإنسان داخل ذاته ويقطع علاقاته بالآخرين.
إن ما يضحّي بمصالح الجماعة والمجتمع لصالح الذات هو الجذر الأعمق لـ “الأنا أولًا” والفردية السلبية.
في الحقيقة، “الفردية هي الإقصاء عن الجماعة”.
أهم آثاره تشمل:
• تهميش الجماعة وتجاهل الآخرين.
• النظرة السلبية إلى الآخرين وإقصاؤهم.
• النزعة إلى التميّز والتفوق على الآخرين.
• التهرب من المسؤولية.
• فقدان الصدق والشجاعة.
في مواجهة هذا الاتجاه، قام أعضاء هذه الحركة ببناء علاقات تقوم على الاستماع والتعلّم، الاحترام، وتعاضد بعضهم البعض.
النساء اللاتي اتخذن هذا الخيار:
• يعتبرن التضحية من أجل الآخرين ضرورة وقيمة عليا في علاقاتهن.
• اكتسبن صلابة وثقة بالنفس وقدرة أكبر على العطاء.
• فككن، واحدة تلو الأخرى، العديد من العقد التي نشأت تحت تأثير الأنظمة الاستغلالية والتقاليد وثقافة الحكومات الظالمة في العلاقات بين البشر.
• أثبتن أن كل شخص يمتلك طاقة غير محدودة للعطاء والتضحية.
السؤال الذي قد يُطرح:
هل القضاء على الفردية يُفقد الفرد قدرته على تحمل المسؤولية؟ وهل هذا ممكن أصلاً؟
الإجابة:
ما يتم التخلي عنه هو الرغبة، التي تعيق إمكانات الإنسان بدلاً من إطلاقها.
العائق الذي يُزال هو ذلك الذي يجعل الإنسان غير مبالٍ، غير حساس، وغير مسؤول تجاه العالم من حوله.
قوة الإنسان تكمن في أنه، عندما يحيط الظلم والاستبداد بكل مكان، ينهض للنضال، ولا ينتظر قوى خارجية أو الحظوظ والصدف لإحداث التغيير.
هو بنفسه من يقرر، وهو من يغيّر.
كما قال بطل إحدى مسرحيات شكسبير:
“الزمان أعوج ومشوّه؛
اللعنة على هذا القدر؛
لقد وُلدتُ لأصلحه.”
نعم، اللحظة التي ينهض فيها الإنسان لتغيير العالم، هي اللحظة التي يؤمن فيها بإمكانية تغيير نفسه، ويبدأ بها فعلاً.
أخواتي العزيزات
العالم السياسي اليوم، للأسف، تحكمه الفردية، والجشع، والكذب، والخوف، والفكرالجنساني، مما أدى إلى تلاشي القيم الإنسانية.
في مثل هذا العالم، نشأت مقاومة تجسد فيها الصدق والنقاء والشجاعة، لتواجه وحش ولاية الفقيه.
من أجل تحرير الشعب الإيراني من شر الفاشية الدينية،
من أجل القضاء على الفكر الرجعي والاستغلالي الذي يتطلبه هذا النضال،
ومن أجل التخلص من الشكوك، وإزالة جميع العقبات، وخوض المعركة بأيدينا وبقوتنا الجماعية.
ثمرة النضال: ازدهار الجماعة
أيها الأصدقاء!
يجب أن أؤكد على نقطة مهمة: لسنا بصدد إنكار الفروقات بين الأفراد، ولا نهدف إلى إضعاف شخصية الإنسان أو فرديته المتكاملة.
ما نقوله هو أن الفردية المتعالية، جوهر الوجود الإنساني، يجب أن تزدهر.
وكما قال مسعود رجوي:
“يجب أن يمتلك كل شخص هويته الفريدة. فكل إنسان كيانٌ لا مثيل له في هذا الكون، وهذه الهوية الفريدة يجب أن تتحرر من العناصر التي تقيّدها.”
لكن أهم ثمرة لهذا النضال هي ازدهار الجماعة وعلاقاتها، مما يدفع بقدراتها على الالتزام والمجازفة إلى مستويات غير مسبوقة.
الجماعة التي نطمح إليها:
جماعة متضامنة، تنشأ من العطاء والتضحية المتبادلة.
تتقدم بناءً على القيم التي يتفق عليها الجميع.
جماعة موحدة، أعضاؤها كالجسد الواحد، يندمجون ويقوّون بعضهم البعض.
المرأة ودورها في هذه الجماعة:
بفضل هذا الاتحاد، استطاعت النساء شق طريقهن نحو تحمّل المسؤولية، واكتساب مهارات القيادة، وإدارة الوقت، واستخراج الطاقات، وتسخير جميع الإمكانات للنضال.
لقد اكتشفن قوانين العمل الجماعي، ومع مرور كل يوم، أصبحن أكثر وحدةً وانسجامًا.
من هنا، إرشاد آخر يظهر في طريق هذه المقاومة:
روح وجوهر العلاقات الاجتماعية هو التضامن، وليس الفردية الأنانية.
من خلال اتباع هذه الرؤية وهذه المقاومة، برز جيل من الرجال الأحرار والمسؤولين الذين أصبحوا الركيزة القوية للنضال ضد النظام الفاسد.
هؤلاء الذين ثاروا ضد الظلم والاستغلال، ضد سلطة الذكورية، وضد العلاقات التي تُجسّد الفكرة الجنسانية.
هذه ثورة تنظّف فكر الرجال وعواطفهم من الشكوك المِلكية، وتنشر بينهم مشاعر الأخوة الحقيقية.
لنُدفن الخرافات التي تعتبر العدوانية، والاعتداء، والنظرة المادية جزءًا من طبيعة الرجال إلى الأبد.
الرجال الذين امتلأت قلوبهم وضمائرهم بالعطاء والصدق والنقاء الإنساني قد سجلوا هذه التوجيهات: تحرير النساء هو شرط لا مفر منه لتحرير الرجال.
لذلك، منذ اليوم الأول، كانت رسالتنا وما زالت هي:
مسؤولية النساء وهيمنتهن لا تعني إقصاء أو إنكار إخوانهن الرجال، بل هي ضرورة لإحياء وتطوير إنسانيتهم، وشرط لتضاعف مسؤولية الرجال.
الرجل الذي تحرر من أسر الفكر الجنساني واعتبار المرأة والرجل سلعة، ومن أسر الأنانية وحب الذات.
النساء قوة التغيير
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
أود أن أذكر أنه في نفس هذا الإطار، ومن نفس هذا المنظور الثقافي الذي ذكرته، قبل 30 عامًا في اجتماع الإيرانيين في إيرلزكورت بلندن، أعلنت:
“لن يتحرر البشر من آفة الرجعية والتطرف إلا إذا تولت النساء دورهن الريادي في هذه المعركة العالمية.”
أعتقد أن هذه الكلمات قد أثبتت صحتها ودقتها خلال الثلاثين عامًا الماضية في منطقتنا وفي عالمنا.
في ذلك اليوم، وجهت كلمة إلى الملالي والرجعيين:
“لقد استخدمتم كل ما في جعبتكم من إذلال، ظلم، قمع، تعذيب، وقتل ضد المرأة الإيرانية، ولكن على يد هذه النساء الواعيات، الحرائر، والمتحررات، سيتناثر ظلمكم وينهار.”
اليوم، الفتاة الثائرة وصانعة الانتفاضة، هذه هي تجسيد إرادة المرأة الإيرانية المقاوِمة، التي تقف بشجاعة بشعار “المرأة المقاومة الحرية” أمام كل أنواع القسر.
وكما قلنا دائمًا:
“لا للحجاب القسري، لا للدين الإجباري، ولا لحكم الجور.”
نعم، النساء هن قوة التغيير.
نضال المرأة الإيرانية ليس فقط من أجل حق حرية اللباس، بل هو أبعد من ذلك؛ هو حق الثورة من أجل الحرية، الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لقد رفض الشعب الإيراني أي نوع من الدكتاتورية، سواء كانت ديكتاتورية الشاه أو الملالي، وبلا شك، سوف تنجح الثورة الديمقراطية للشعب الإيراني، ويُبنى مجتمع قائم على فصل الدين عن الدولة، وهو الشعار الذي رفعه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ أربعة عقود.
الكنز البشري العظيم
أصدقائي الأعزاء!
حدثتكم عن تجربة نساء المقاومة.
في هذه الرحلة العاصفة، من خمسين عامًا حتى الآن، حيث كنت برفقتهم، كنت شخصيًا في مواجهات لا حصر لها مع لحظات ومشاعر متناقضة، من أكثرها مرارة إلى أكثرها حلاوة.
من صفوف الفتيات الشجاعات اللواتي شاركن في النضال إلى جانبنا، أو كنت مسؤولًا عنهن، وحتى اللحظات التي تلقيت فيها الأخبار المؤلمة عبر الراديو أو إذاعات العدو عن إعدامهن، وتعذيبهن، واستشهادهن.
ولحظة أخرى عندما قامت إحدى المجاهدات التي استشهدت خلال مجزرة عام 1988 عبر المورس لصاحباتها في النضال: “أنا زهراء خسروي. أعطاني فرصة 20 دقيقة لكي أكتب وصيتي. يريدون إعدامي” وطلبت أن ينقلوا رسالتها لنا.
ومن اللحظات الأخرى كانت آخر مكالمة لي مع زهرة قائمی، القائدة البطلة في أشرف، في يوم مجزرة الـ 52 مجاهدًا على يد مرتزقة خامنئي.
في تلك اللحظة، عندما اعتدى حرس النظام الإيراني على أشرف، تحدثت معها بهدوء وثقة، حيث أخبرتني أن الحرس قد هاجموا أشرف وهم الآن أمام بوابة المبنى. وفجأة، تم قطع الاتصال.
كنت قلقة جدًا، وأعدت الاتصال، فرفع أحد الأخوة الهاتف وقال بصعوبة: أنا مصاب وزهرة استشهدت.
هل تنسى هذه اللحظات؟
لا أبدًا.
قبل ذلك، في اليوم الذي سمعت فيه آخر كلمات صبا، صورتها لن تغيب أبدًا عن ذهني.
وتلك اللحظات التي رأيت فيها مناصرو أشرف في كل أنحاء العالم يقفون في إضراب عن الطعام لكسر الحصار على أشرف. كنت أراهم يذوبون قطرة قطرة، والآن عندما أراهم، تعود تلك الأيام إلى ذهني.
وتلك اللحظات التي رأيت فيها الفتيات الثائرات في انتفاضات إيران، وهن يكتسحن الشوارع ويأخذن زمام المبادرة رغم تعرضهن لجروح واعتقالات.
مؤخرًا، كتبت لي سارة، عضو في وحدات الانتفاضة، وقالت:
“في غضون ساعات قليلة سأذهب إلى السجن، ولا أعرف ماذا سيحدث، لكنني أعلم أنني لن أنسى التزامي كامرأة من مجاهدي خلق.”
تلك اللحظات كانت صعبة للغاية، ولكنني رأيت على الفور تأثيرها المُحيي في الشعب الإيراني وفي حركة المقاومة المتقدمة لهم.
لكن اللحظات الأكثر حلاوة بالنسبة لي، هي عندما أرى القتال الشرس والعزيمة التي لا تلين من بنات وأخواتي في الطريق الطويل لهذا النضال.
خصوصًا عندما أشهد عبورهن من القواطع الثقافية والأيديولوجية الصعبة، وانتصارهن على الشكوك واللامبالاة.
أقول لنفسي، يا ليتني أستطيع أن ألتقط عظمة هذه اللحظات في صورة. صفوف لا حصر لها من النساء اللواتي شهدت مرات ومرات تغييرهن وولادتهن وثورتهن، وكيف يصعدن إلى قمة التحرر.
هنّ اللواتي، كلما واجهن عقبة أو سدًا، يقاتلن ويقلن: سر نجاحنا هو أن نؤمن ونجب أن نحقق ذلك.
أيضًا، من اللحظات الحلوة الأخرى بالنسبة لي هي عندما أراكم أنتم أصدقاء المقاومة، تقاومون تحت موجات الهجوم وحملات الشيطنة من قبل النظام، وتستمرون في دعم هذه المقاومة دون تراجع.
أمام كل واحد منكم، أشعر بعميق الاحترام والامتنان.
على الرغم من أن الملالي قد أرجعوا مجتمعنا إلى الوراء مسافات طويلة ودمروا كل شيء، إلا أنني مؤمنة أنه مع هذه الكنوز الإنسانية العظيمة، يمكننا بناء كل شيء بسرعة، استعادة الثقة المفقودة، وإحياء المعتقدات التي تم فقدانها. هذا عهد على عاتقي لكم جميعا و هذا عهد لي ولنا للشعب الإيراني.
أخواتي العزيزات!
عندما غادرتن المكان، أخبرن أولادكن، بناتكن، وأمهاتكن عن سر هذه المقاومة وتحدثن عن أولئك اللواتي مررن بتجارب صعبة ومخاطر كبيرة، قاتلن في مطارداتٍ لا تنتهي، ولكنهن لم يتركن الساحة أبدًا. اولئك الذين فضلوا أن يموتوا واقفين على أن يعيشوا جاثمين.
أخبرنهن أنهن تخلين عن كل شيء، من أجل أن يقلن لنا: نحن مستعدات، نحن في بالساحة، وسنقاتل من أجل هدفنا، هدف الحرية والمساواة، من أجل جميع شعب إيران، ومن أجل السلام والأمن في منطقتنا وفي كل العالم.
تحية لجميعكن.