مريم رجوي في حفلة تأبين عقدت لتخليد الفنان الشهير أندرانيك أساطوريان:الضمير الحي للفن الإيراني والفنانين الإيرانيين
أيها المواطنون الكرام!
دعوني أن أتقدم بتعازي ومواساتي برحيل الفنان الشهير لبلادنا الراحل أندرانيك إلى كل من عزيزتنا أيدا (زوجة أندارنيك الراحل) وبناته الكريمات وأخوات واخوان ”أندو“ في ليبرتي لفقدانهم نصيراً وداعماً ومعلماً لهم نظيرآندو. كما أتوجه بتعازي إلى الفنانين الإيرانيين والشعب الإيراني قاطبة وأعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ولاسيما رئيس المجلس.
وأخص الإيرانيين الأرمن والمسيحيين بتعازي ومواساتي وأردد كلام سيدنا عيسى المسيح (ع) حيث قال:
طوبى للخاضعين ، طوبى للرحماء. طوبى للانقياء القلب طوبى للجياع والعطاش الى العدالة…لان لهم ملكوت السموات.
لقد اجتمعنا هنا لنحيي ذكرى إنسان نبيل. ورغم أننا جميعا محزونون من رحيله وفقدانه وقلوبنا متألمة ولكن في الوقت نفسه وفي كل لحظة نتذكره فسرعان ما يلوح في خاطرنا ما كان يتحلى به من نقاء وإخلاص وإيمان فتفعم قلوبنا ودواخلنا بالبهجة والنخوة والفخر والاعتزاز. وهذه هي حكاية كل الذين يقولون بألستنهم ما في قلوبهم بكل صدق وإخلاص وإنهم صادقون ومخلصون وأن حياتهم وكلامهم وسلوكهم يرتقي بالإنسانية. وإنها حكاية حياة أندرانيك أساطوريان، إنسان بأفكار حرة وقلب مؤمن.
وبعد رحيل أندرانيك فافتقدت الموسيقى الإيرانية أستاذاً عظيماً وكنزا للفن كما افتقد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كنزاً زاخراً بقيم الحب والتحدي وواحداً من رموز الإيفاء بالوعد. ولاحظنا خلال الأيام التي مضت كيف كان الكل عندما يتحدثون عن أندرانيك مهما كانت اتجاهاتهم ومعتقداتهم فيعتبرونه عضوا منهم. وهم صادقون في كلامهم: كون أندرانيك يتعلق بجميع شرائح الشعب الإيراني قاطبة.
لقد بدأ أندرانيك العمل على الموسيقى عندما كان في 9من عمره. وتعلم النوتة الموسيقية فأبدع أروع الأنغام وشارك أحزان وأفراح أبناء شعبه كونه كان يعشقهم، و كان كل خطوة يخطوها نحو الأمام ويتقدم في الموسيقى من أجلهم فقط. وبالتأكيد سمعتم أن الفنانين والموسيقارين الإيرانيين الشهيرين هم متفقون بالإجماع على أن أندرانيك هو أب موسيقى البوب الإيرانية.
ويقال إنه خلق ثورة في الموسيقى الإيرانية حيث يعد الكثير من الإبداعات خلال بضعة عقود مضت في إيران حصيلة لما بذله من جهود حثيثة والعمل الدؤوب وروح المبادئة التي كان يتحلى بها، كما لم ولا يكون نظيرا له ينافسه. ويرددون أكثر من مرة عبارة تقضي بأن الموسيقى الإيرانية تدين به وذلك بدرجة عالية. وتعد هذه الأوصاف حقيقية. ولكن وإذا أردنا أن نذعن بالحقيقة الأساسية لأندرانيك فيجب أن نؤكد على أن ما يدين له الفن الإيراني و الفنانون الإيرانيون بأندرانيك هو ليس إلا احتفاظه بشرف الفن الإيراني والفنانين الإيرانيين بوقوفه في وجه نظام ولاية الفقيه وخوضه النضال ضده. أجل، لقد كان أندرانيك الضمير الحي للفن الإيراني والفنانين الإيرانيين.
كما تعلمون انضم أندرانيك إلى المقاومة الإيرانية منذ أن تم عقد الحفلة الموسيقية للتضامن في ”بالة دو كونغرس“ بباريس عام 1994 كما التحق بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بعده بأعوام. وقد أكد في ذلك الحين: ”يتحمل كل فنان حقيقي التعهد والمسؤولية إزاء مجتمعه وينبغي أن يكون هدفه في المرحلة الأولى تحرير شعبه“.
وكانت رسالة أندرانيك تعد بمثابة ما وصفه الكاتب الفرنسي رومن رولان حيث يقول: ”ومن أجل مواصلة العمل الفني فيقتضى شيء أكثر من العبقرية الفطرية. وهو ليست إلا هموم وآلام تملئ الحياة وتؤتيها المعنى وإلا فلا يخلق الفنان أثرا“.
وخلال العقد المنصرم قام النظام وعملاؤه العراقيون بأشد الهجمات فظاعة في حق مجاهدي خلق كما حبك نظام ولاية الفقيه مؤامرات كبيرة ضد هذه المقاومة ولكن وكلما تصاعدت وتكثفت الضغوط كلما تقرب ”أندو“ من مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، لأنه ومنذ اليوم الأول كان قد أختار ذلك. وكان قد أتى ليناضل ويدفع دينه لقضية الحرية حسب تأكيده.
خاصة أنه وباعتباره ملحنا شهيرا من الطراز الأول في إيران كان يحظى بمركز كان بموجبه يجد كل الأبواب مفتوحة أمامه، كما كان يحظى برصيد كبير في الفن واختصاصه وبسمعة اجتماعية لامعة حيث حقق إنجازات رائعة في مهنته الفنية إذ لم يسبق لبعض منها مثيل بعد. غير أنها كان ينشد ضالة كان قد وصفها ذاته بـ ”أعلى إنجاز فني يحققه فنان“ حيث كان قد أكد: ”يعد الانضمام إلى المقاومة وخوض النضال ضد التعسف أعلى إنجاز يحققه فنان“.
وراجعوا ما أدلى به من تصريحات وما أكد عليه خلال مقابلات تم إجراؤها معه خلال هذه الأعوام. كان يتعمد على أن يؤكد مرارا وتكرارا على ”أنني أشرفي“. ويا ترى لماذا كان يصر هكذا إصرار؟! لأنه كان يريد أن ينقش ويسجل حقيقة ورسالة في القلوب والذمم.
وكان يريد أن يعلن أن الفن الإيراني لم يستسلم أمام نظام ولاية الفقيه المعادي للفن وإنما يناضل ضده ووجد مكانته وسط خندق مقاومة الشعب الإيراني. كما كان يريد أن يؤكد على أنه حينما تبلغون الذروة في الفن أو في أي مهنة أخرى فانظروا إلى القمة الأعلى وهي ليست بشيء إلا الحرية، فطيروا نحو القمة ذاتها.
أجل وكما كان ”أندو“ يعد ذورة للموسيقى الإيرانية في تأليف الأغاني والقطع الموسيقية وألـّف وخلق أثره الفني الأعلى في حياته وفنه ودمجهما بمقاومة الشعب الإيراني وجيش التحرير و ” هكذا تحول المثابر الشهير للفن وبمعزف وعود ملتهبين وبحب لمئة ضعف في صميم أشرف وجيش التحرير، إلى فلذة كبد للشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية“ حسب قول قائد المقاومة مسعود رجوی.
ويا ترى طابت ذكريات كل من عزيزتنا مرضية وذكرى عماد رام العزيز ومنوتشهر سخايي وبهرام عاليوندي والآن ”أندو“ ممن منحوا وبسمعتهم وآثارهم الخالدة ومعتقداتهم المفعمة بالحماس وصدقهم معنى عميقا للفن المتعهد في عصرهم. وتعد حكاية الحياة لكل إنسان ما يتبقى منه من التأثيرات والآثار وكما قال ”أندو“: كانت المقاومة تعد أعلى فن له وأثر خلقه.
والآن يسمع التأريخ مفردة الحرية بين النغمات المخلصة لحياة ملحن موسيقى؛ كما يسمع مفردة أشرف فيسمع مفردة إيران.
والآن يجد المجتمع الإيراني أمامه ضميرا رائعا وحقيقيا ليتعلم كل فنان وكل من يشغل باله حماس ويحذو حذوه. كما يشعر الملالي والجلادون الحاكمون ممن كسروا المعازف وذبحوا الفن والمتخلفون ممن فرضوا المضايقات والضغوط والقمع وبمنتهى درجتها في حق أندرانيك وباقي الفنانين الشعبيين المحبوبين، بالإحباط والإخفاق أمام ”أندو“.
أجل، لقد خلد أندرانيك في الموسيقى الإيرانية وهو حي في بيوت أبناء شعبنا وفي قلوبهم. وهو يناضل ويصمد بجانب مجاهدي درب الحرية في ليبرتي وجميع الحملات الدولية كما هو حاضر وسيكون حاضرا في جلسات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية؛ كما سيكون ”أندو“ حاضرا في الغد بين صفوف الأشرفيين وجيش التحرير والشباب الإيرانيين المنتفضين في معركة تحرير إيران.
طابت روحه حيث عبر عن قضيته في أمل رائع يتمثل ببناء كرة زرقاء للحب والحرية.
ولن يموت من استعاد قلبه الحياة بالحب، وسيخلد في التأريخ وعلى مر الزمن.
نسلم ونحيي روحه الطيبة الطاهرة.